سورة النبأ - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النبأ)


        


{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)}
{عَمَّ} أصله عما على أنه حرف جر دخل على ما الاستفهامية فحذفت الألف وعلل بالتفرقة بينها وبين الخبرية والإيذان بشدة الاتصال وكثرة الدوران وحال العلل النحوية معلوم وقد قرأ عبد الله وأبي عكرمة وعيسى بالألف على الأصل وهو قليل الاستعمال وقال ابن جني إثبات الألف أضعف اللغتين وعليه قوله:
على ما قام يشتمني لئيم *** كخنزير تمرغ في رماد
والاستفهام للإيذان بفخامة شأن المسؤل عنه وهوله وخروجه عن حدود الأجناس المعهودة أي عن أي شيء عظيم الشأن {يَتَسَاءلُونَ} الضمير لأهل مكة وأن لم يسبق ذكرهم للاستغناء عنه بحضورهم حسًا مع ما في الترك على ما قيل من التحقير والإهانة لإشعاره بأن ذكرهم مما يصان عنه ساحة الذكر الحكيم ولا يتوهم العكس لمنع المقام عنه وكانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم ويخوضون فيه إنكارًا واستهزاء لكن لا على طريقة التساؤل عن حقيقته ومسماه بل عن وقوعه الذي هو حال من أحواله ووصف من أوصافه وما كما مر غير مرة وإن اشتهرت في طلب حقائق الأشياء ومسميات أسمائها لكنها قد يطلب بها الصفة والحال فيقال ما زيد ويجاب بعالم أو طبيب وقيل كانوا يتساءلون الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين استهزاء فالتساؤل متعد ومفعوله مقدر هنا وحذف لظهوره أو لأن المستعظم السؤال بقطع النظر عمن سأل أو لصون المسؤل عن ذكره مع هذا السائل وتحقيق ذلك على ما في الإرشاد أن صيغة التفاعل في الأفعال المتعدية لإفادة صدور الفعل عن المتعدد ووقوعه عليه بحيث يصير كل واحد من ذلك فاعلًا ومفعولًا معًا لكنه يرفع المتعدد على الفاعلية ترجيحًا لجانب فاعليته وتحال مفعوليته على دلالة الفعل كما في قولك تراءى القوم أي رأي كل واحد منهم الآخر وقد تجرد عن المعنى الثاني فيراد بها مجرد صدور الفعل عن المتعدد عاريًا عن اعتبار وقوعه عليه فيذكر للفعل حينئذ مفعول كما في قولك تراأوا الهلال وقد يحذف كما فيما نحن فيه فالمعنى عن أي شيء يسأل هؤلاء القوم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ورا تجرد عن صدور الفعل عن المتعدد أيضًا فيراد بها تعدده باعتبار تعدد متعلقه مع وحدة الفاعل كما في قوله تعالى: {فَبِأَىّ الاء رَبّكَ تتمارى} [النجم: 55] وذكر بعض المحققين أنه قد يكون لصيغة التفاعل على الوجه الأول مفعول أيضًا لكنه غير الذي فعل به مثل فعله كما في تعاطيا الكاس وتفاوضا الحديث وعليه قول امرئ القيس:
فلما تنازعنا الحديث واسمحت *** حصرت بغصن ذي شماريخ ميال
فمن قال أن تفاعل لا يكون الأمن اثنين ولا يكون إلا لازمًا فقد غلط كما قال الطبليوسي في شرح أدب الكاتب إن أراد ذلك على الإطلاق وليت شعري كيف يصح ذلك مع أن مجيء تفاعل عنى فعل غير متعدد الفاعل كتواني زيد وتداني الأمر وتعالى الله عما يشركون كثير جدًا وكدا مجيئه متعديًا إلى غير الذي فعل به مثل فعله كما سمعت وجوز أن يكون ضمير يتساءلون للناس عمومًا سواء كانوا كفار مكة وغيرهم من المسلمين وسؤال المسلمين ليزدادوا خشية وإيمانًا وسؤال غيرهم استهزاء ليزدادوا كفرًا وطغيانًا وهو خلال ما يقتضيه ظاهر الآيات بعد وقيل كان التساؤل عن القرآن وتعقب بأن قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الارض} [النبأ: 6] ظاهر في أنه كان عن البعث وهو مروي عن قتادة أيضًا لأنه من أدلته وأجيب بأن تساؤلهم عنه واستهزاؤهم به واختلافهم فيه بأنه سحر أو شعر كان لاشتماله على الأخبار بالبعث فبعد أن ذلك ما يفيد استعظام التساؤل عنه تعرض لدليل ما هو منشأ لذلك التساؤل وفيه بعد وقوله تعالى:


{عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)}
{عَنِ النبإ العظيم} بيان لشأن المسؤل عنه إثر تفخيمه بإبهام أمره وتوجيه أذهان السامعين نحوه وتنزيلهم منزلة المستفهمين فإن إيراده على طريقة الاستفهام من علام الغيوب للتنبيه على أنه لانقطاع قرينة وانعدام نظيره خارج عن دارة علوم الخلق خليق بأن يعتني عرفته ويسأل عنه كأنه قيل عن أي شيء يتساءلون هل أخبركم به ثم قيل بطريق الجواب عن النبأ العظيم على منهاج {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} [غافر: 16] فعن متعلقة بما يدل عليه المذكور من مضمر حقه على ما قيل أن يقدر بعدها مسارعة إلى البيان ومراعاة لترتيب السؤال وإلى تعلقه بما ذكر ذهب الزجاج وهو الذي تقتضيه جزالة التنزيل وقال مكي أن ذلك بدل من ما الاستفهامية بإعادة حرف الجر وتعقبه في الكشف بأنه لا يصح فإن معنى الأول عن النبأ العظيم أم عن غيره والبدل لا يطابقه أعيد الاستفهام أولًا وقال الخفاجي البدلية جائزة ولا يلزم إعادة الاستفهام لأنه غير حقيقي ولا أن يكون البدل عين الأول لجواز كونه بدل بعض وقيل هو متعلق بـ {يَتَسَاءلُونَ} المذكور و{عَمَّ} متعلق ضمر مفسر به وأيد ذلك بقراءة الضحاك ويعقوب وابن كثير في رواية عمه بهاء السكت ووجهه أنه على الوقف وهو يدل على أنه غير متعلق بالمذكور لأنه لا يحسن الوقف بين الجار والمجرور ومتعلقه لعدم تمام الكلام ولعل من ذهب إلى الأول يقول إن إلحاق الهاء مبني على إجراء الوصل مجرى الوقف وقيل عن الأولى للتعليل وهي والثانية متعلقتان بيتساءلون المذكور كأنه قيل عم يتساءلون أيتساءلون عن النبأ العظيم ووصف النبا وهو الخبر الذي له شأن بالعظيم لتأكيد خطره ووصفه بقوله سبحانه:


{الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)}
{الذى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} للمبالغة في ذلك والإشعار دار التساؤل عنه وفيه متعلق ختلفون قدم عليه اهتمامًا به ورعاية للفواصل وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثبات أي هم راسخون في الاختلاف فيه فمن جازم باسحالته يقول: {إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا} [المؤمنون: 37] إلخ وشاك يقول: {ما ندري ما الساعة أن نظن إلا ظنًا وما نحن ستيقنين} [الجاثية: 32] وقيل منهم من ينكر المعادين معًاكهؤلاء ومنهم من ينرك المعاد الجسماني فقط كجمهور النصارى وقد حمل الاختلاف على الاختلاف في كيفية الإنكار فمنهم من ينكره لإنكاره الصانع المختار تعالى شأنه ومنهم من ينكره بناء على استحالة إعادة المعدوم بعينه وقيل الاختلاف بالإقرار والإنكار أو بزيادة الخشية والاستهزاء على أن ضمير {يَتَسَاءلُونَ} وضميرهم للناس عامة وقيل يجوز أن يكون الاختلاف بالإقرار والإنكار على كون ضمير يتساءلون للكفار أيضًا بأن يجعل للسائلين والمسؤلين والكل كما ترى وإن تفاوتت مراتب الضعف والمعول عليه الأول وقال مفتي الديار الرومية الذي يقتضيه التحقيق ويستدعيه النظر الدقيق أن يحمل اختلافهم في البعث على مخالفتهم للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يعتبر في الاختلاف محض صدور الفعل عن المتعدد حسا قيل في التساؤل فإن الافتعال والتفاعل صيغتان متآخيتان كالاستباق والتسابق والانتضال والتناضل يجري في كل منهما ما يجري في الأخرى لا على مخالفة بعضهم لبعض على أن يكون كل من الجانبين مخالفًا اسم فاعل ومخالفًا اسم مفعول لأن الكل وإن استحق ما يذكر بعد من الردع والوعيد لكن استحقاق كل جانب لهما ليس لمخالفته للجانب الآخر إذ لا حقية في شيء منهما حتى يستحق من يخالفه المؤاخذة بل لمخالفته عليه الصلاة والسلام فكأنه قيل الذي هو فيه مخالفون للنبي صلى الله عليه وسلم انتهى وفيه أنه خلاف الظاهر وما ذكره من التعليل لا يخلو عن شيء وقرأ عبد الله وابن جبير تساءلون بغير ياء وشدة السين على أن أصله تتساءلون بتاء الخطاب فأدغمت التاء الثانية في السين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8